فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجملةُ الاستفهاميةُ في محلِّ نصبٍ بـ: {أدْري} لأنها معلِّقَةٌ لها عن العملِ، وأَخَّر المُسْتَفْهَمَ عنه لكونِه فاصلةً. ولو وَسَّطه لكان التركيبُ: أقريب ما تُوعدون أم بعيدٌ، ولَكِنه اُخِّر مراعاةً لرؤوسِ الآي.
و{مَا تُوعَدُونَ} يجوز أَنْ يكونَ مبتدأ، وما قبله خبرٌ عنه ومعطوفٌ عليه. وجَوَّز أبو البقاء فيه أن يرتفعَ فاعلًا بـ: {قريبٌ}. قال: لأنه اعتمد على الهمزة. قال: ويُخَرَّج على قولِ البصريينَ أن يرتفعَ بـ: {بعيد} لأنه أقربُ إليه. قلت: يعني أنه يجوزُ أَنْ تكونَ المسألةُ من التنازع فإنَّ كلًا من الوصفَيْنِ يَصِحُّ تَسَلُّطُه على {ما تُوْعَدون} من حيث المعنى.
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)}.
قوله: {مِنَ القول}: حالٌ مِنْ {الجهر}.
{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)}.
قوله: {لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ}: الظاهرُ أنَّ هذه الجملةَ معلِّقةٌ لـ: {أَدْري}، والكوفيون يُجْرون الترجِّي مجرى الاستفهام في ذلك، إلاَّ أنَّ النَّحْويين لم يَعُدُّوا من المعلِّقات لعل وهي ظاهرةٌ في ذلك كهذه الآيةِ وكقوله: {وما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يزكى} [عبس: 3] {وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ} [الشورى: 17].
{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}.
قوله: {قَالَ}: قرأ حفص {قال} خبرًا عن الرسولِ عليه السلام. الباقون {قل} على الأمر. وقرأ العامَّة: {رَبِّ} بكسرِ الباءِ اجتراءً بالكسرةِ عن ياءِ الإضافة، وهي الفصحى. وقرأ أبو جعفر بضمِّ الباءِ، فقال صاحبُ اللوامح: إنه منادى مفردٌ ثم قال: وحَذْفُ حَرْفِ النداء فيما جاز أن يكونَ وصفًا لأَيّ بعيدٌ، بابُه الشعرُ. قلت: ليس هذا من المنادى المفردِ، بل نَصَّ بعضُهم على أنَّ هذه بعضُ اللغاتِ الجائزةِ في المضافِ إلى ياء المتكلم حالَ ندائه.
وقرأ العامَّة: {احْكُمْ} على صورةِ الأمر. وقرأ ابن عباس وعكرمة وابن يعمر {رَبِّيْ} بسكونِ الياء {أَحْكَمُ} أفعلُ تفضيلٍ فهما مبتدأ وخبر.
وقرئ: {أَحْكَمَ} بفتح الميم كألزَمَ، على أنَّه فعلٌ ماضٍ في محلِّ خبرٍ أيضًا لـ: {ربِّي} وقرأ العامَّة: {تَصِفُوْن} بالخطاب. وقرأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أُبَي رضي الله عنه {يَصِفُون} بالياء مِنْ تحت، وهي مَرْوِيَّةٌ أيضًا عن عاصم وابن عامر. والغيبة والخطاب واضحان. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَواء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109)}.
إن أعرضوا ولم يؤمنوا فَقُلْ: إني بالالتزام أعلمتُكم، ولَكِن للإكرام ما ألهمتكم، فَتَوَجَّهَتْ عليكم الحجة واستبهمَتْ عليكم المحجة.
قوله: {وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ} إنَّ علمي متقاصِرٌ عن تفصيل أحوالكم في مآلكم، ووقت ما توعدون به في القيامة من تحصيل أهوالكم، ولَكِن حُكُمَ الله غيرُ مستأخرٍ إذا أراد شيئًا من تغيير أحوالكم.
{إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)}.
لا يخفى عليه سرُّكم ونجواكم، وحالكم ومالكم، وظاهركم وباطنكم... فعلى قَدْرِ استحقاقكم يُجازيكم، وبموجِب أفعالكم يحاسبكم ويكافيكم.
{وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)}.
ليس يحيط عِلْمي إلا بما يُعْلِمُني، وإعْلامُه إياي ليس باختياري، ولا هو مقصودٌ على حسب مرادي وإيثاري.
{قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)}.
الرحمن كثير الرحمة عامةً لكل أحد، ومنه يوجد العون والنصر حين يوجد وكيف يوجد. اهـ.

.التفسير الإشاري:

.قال نظام الدين النيسابوري:

التأويل: {إن هذه أمتكم} فيه إشارة إلى أن السالك إذا عبر المقامات التي ذكرنا تصير متفرقات شمله مجتمعة في الفناء بالله والبقاء به، فيكون أمة واحدة في ذاته كما أن إبراهيم كان أمة فيعرفه الله نفسه ويقول: {أنا ربكم} الذي بلغتكم هذه الرتبة {فاعبدون} أي فاعرفون {وتقطعوا أمرهم} فمنهم من سكن إلى الدنيا، ومنهم من سكن إلى الجنة، ومنهم من فر إلى الله {كل إلينا راجعون} أما طالب الدنيا فيرجع إلى صورة قهرنا وهي جهنم، وأما طالب الآخرة فيرجع إلى صورة رحمتنا وهي الجنة، وأما الذي يطلبنا فإنه يرجع إلينا بالحقيقة {وإنا له كاتبون} في الأزل من أهل السعادة {حتى إذا فتح} سد {يأجوج} النفس و{مأجوج} الهوى، والسد أحكام الشريعة وفتحها مخالفاتها وموافقات الطبع وهم أعني دواعي النفس من كل معدن شهوة من الحواس الظاهرة والباطنة {ينسلون} فيفسدون ما يمرون عليه من القلب والسر والروح {واقترب الوعد} إهلاك القلوب الغافلة {فإذا هي شاخصة ابصار} بصائرها بالنهماك في الأهواء {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} العناية الأزلية {لا يسمعون حسيسها} أعني مقالات أهل البدع والأهواء {وهم فيما اشتهت أنفسهم} المطمئنة المجذوبة بجذبة {ارجعي} في مقامات السير في الله {خالدون} الفزع الأكبر قوله في الأزل هؤلاء في النار ولا أبالي {يوم نطوي} سماء وجود الإنسان بتجلي صفات الجلال في إفناء مراتب الوجود من الانتهاء إلى الابتداء وذلك قوله: {كما بدأنا أول خلق نعيده} يعني أن الرجوع يكون بالتدريح كما أن البدء كان بالتدريج خلق النطفة علقة ثم خلق العلقة مضغة ثم خلق المضغة عظامًا ثم كسا العظام لحمًا ثم أنشأناه خلقًا آخر.
ففي الإعادة يجب أن يمر السالك من الإحساس على الحيوانية ثم النباتية ثم المعدنية ثم البسائط العنصرية ثم الملكوتية ثم الروحانية ثم إلى صفات الربوبية بجذبة {ارجعي إلى ربك} [الفجر: 28] {ولقد كتبنا في الزبور} أي في أم الكتاب {من بعد الذكر} أي بعد أن قلنا للقلم أكتب نظيره {كن فيكون} [يس: 82] أن أرض جنة الوجود الحقيقي {يرثها عبادي الصالحون} وهم الذين طويت سماء وجودهم المجازي. فالوجود المجازي لكونه غير ثابت ولا مستقر كالسماء، ولوجود الحقيقي لكونه ثابتًا ومستقرًا على حالة واحدة كالأرض {لقوم عابدين} عارفين. {وما أرسلناك} من كتم العدم {إلا رحمة للعالمين} فلولاك لما خلقت الأفلاك أول ما خلق الله روحي ولولا الأزل لم تنته الهوية إلى الآخر والله أعلم. اهـ.

.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة في الآيات: {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إبراهيم رُشْدَهُ مِن قَبْلُ} [الأنبياء: 51] قيل ذلك الرشد إيثار الحق جل شأنه على ما سواع سبحانه، وسئل الجنيد متى أتاه ذلك؟ فقال: حين لا متى {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلاَ يَضُرُّكُمْ} [الأنبياء: 66] فيه إشارة إلى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه في رأيه وضلة في عقله.
وقال حمدون القصار: استعانة الخلق بالخلق كاستعانة المسجون بالمسجون.
{قُلْنَا يا نار كُونِى بَرْدًا وسلاما على إبراهيم} [الأنبياء: 69] قال ابن عطاء: كان ذلك لسلامة قلب إبراهيم عليه السلام وخلوه من الالتفات إلى الأسباب وصحة توكله على الله تعالى، ولذا قال عليه السلام حين قال له جبريل عليه السلام: ألك حاجة؟ أما إليك فلا {ففهمناها سليمان} فيه إشارة إلى أن الفضل بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء ولا تعلق له بالصغر والكبر فكم من صغير أفضل من كبير بكثير {وَكُلًا ءاتَيْنَا حُكْمًا} قيل معرفة بأحكم الربيوبية {وَعِلْمًا} معرفة بأحكام العبودية {وَسَخَّرْنَا مَعَ داود الجبال يُسَبّحْنَ} [الأنبياء: 79] قيل كان عليه السلام يخلوفي الكهوف لذكره تعالى وتسبيحه فيشاركه في ذلك الجبال ويسبحن معه، وذكر بعضهم أن الجبال لكونها خالية عن صنع الخلق حالية بأنوار قدرة الحق يحب العاشقون الخلوة فيها، ولذا نحنث صلى الله عليه وسلم في غار حاراء.
واختار كثير من الصالحين الانقطاع للعبادة فيها {وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الضر وَأَنتَ أَرْحَمُ الراحمين} [الأنبياء: 83] ذكر أنه عليه السلام قال ذلك حين قصدت دودة قلبه ودودة لسانه فخاف أن يشغل موضع فكره وموضع ذكره، وقال جعفر: كان ذلك منه عليه السلام استدعاء للجواب من الحق سبحانه ليسكن إليه ولم يكن شكوى وكيف يشكو المحب حبيبه وكل ما فعل المحبوب محبوب وقد حفظ عليه السلام آداب الخطاب {وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مغاضبا فَظَنَّ أَن لَّن قُدِرَ} قيل ان ذلك رشحة من دن خمر الدلال، وذكروا أن مقام الدل دون مقام العبودية المحضة لعدم فناء الإرادة فيه ولذا نادى عليه السلام {أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين} [الأنبياء: 87] أي حيث اختلج في سرى أن أريد غيره ما أردت {وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبّ لاَ تَذَرْنِى فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين} [الأنبياء: 89] قيل إنه عليه السلام أراد ولدا يصلح ون يكون محلا لا فشاء الأسرار الإلهية إليه فإن العارف متى كان فردًا غير واجد من يفشي إليه السر ضاق ذرعه {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} قيل أي رغبة فينا ورهبة عما سوانا أو رغبة في لقائنا ورهبة من الاحتجاب عنا {وَكَانُواْ لَنَا خاشعين} [الأنبياء: 90].
قال أبو يزيد: الخشوع خمود القلب عن الدعاوي، وقيل الفناء تحت أذيال العظمة ورداء الكبرياء {وما أرسلناك إِلاَّ رَحْمَةً للعالمين} [الأنبياء: 107] أكثر الصوفية قدست أسرارهم على أن المراد من العالمين جميع الخلق وهو صلى الله عليه وسلم رحمة لكل منهم إلا أن الحظوظ متفاوتة ويشترك الجميع في أنه عليه الصلاة والسلام سبب لوجودهم بل قالوا: إن العالم كله مخلوق من نوره صلى الله عليه وسلم، وقد صرح بذذلك الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره في قوله وقد تقدم غيره مرة:
طه النبي تكونت من نوره ** كل الخليقة ثم لو ترك القطا

وأشار بقوله لو ترك القطا إلى أن الجميع من نوره عليه الصلاة والسلام وجه الانقسام إلى المؤمن والكافر بعد تكونه فتأمل، وهذا ونسأل الله تعالى أن يجعل حظنا من رحمته الحظ الوافر وأن ييسر لنا أمور الدنيا والآخرة بلطفه المتواتر. اهـ.